موضوع تعبير عن شهر رمضان

موضوع تعبير عن شهر رمضان
موضوع-تعبير-عن-شهر-رمضان/

استقبال شهر رمضان 

يأتي كما يأتي العيد بسلّةٍ كاملةٍ من الفرحِ والبهجة، يملأ القلوبَ والأرواحَ سعادةً وطمأنينة، فيعطي الصالحَ فرصةً لزيادةِ سموّهِ وارتقائه، ويعطي المُذنبَ فرصةً للتوبةِ والرجوعِ إلى رضوانِ الله تعالى بالمناجاةِ والحبّ وطلبِ المغفرة، يدعُ القلوبَ في شوقٍ إليهِ عامًا كاملًا كي يُقبِلَ عليهم وهم في أشدِّ الانتظارِ، فيمسحُ دموعهم عن حزنها القديم، ويكتبُ لهم وعودًا بالفرحِ في أيامهم القادمة، ويربّت على كتف الضعيفِ فيدعوهُ إلى حُضنِهِ بالكثير من الحنوِّ والدفءِ، ويدعو الغنيَّ إلى مساعدةِ الفقير بالكثيرِ من الرحمةِ والإخلاص.


إنه الشهر الذي تتساوى فيه جميع الناس، فلا أحدَ يعلو بميّزاته الاجتماعية عن أحد، تتناغمُ جميع طبقاتِ الناس وأصولهم وفروعهم وأعمارهم وتتحدُ من جميع البقاعِ في توقيتٍ واحدٍ يجمعهم على مائدةِ طعام، يعلّمهم التعاونَ والمشاركة عند الإفطار، كما يعلمهم الصبر والتروّي طيلة فترة الصيام، ويدخلُ إلى أعماقهم بلطفٍ ليشرحَ لكل منهم معاناة غيرِهِ طيلةَ العام، فيشعرُ الغني بالفقير، والقويُّ بالضعيف، والمنعَّمُ بالرفاهية بأخيه صاحب الحياة الخشنة والضيقة، ويحترمُ فيه الناس بعضهم بعضًا لتشاركهم في تجربةٍ واحدة تجعلهم يقدّرون الجهد الذي يبذله كلٌّ منهم في صبرِهِ.


يحزمُ المؤمن أمتعته من شهر رجب، لما فيه أيضًا من الخير والأيام المباركة والفضائل، فيقومُ في وقتِ السَّحَرِ ويُناجي الله تعالى في الثلث الأخير من الليل، ويطلب منه حاجاته، ثم يأتي شهر شعبان الذي في منتصفه تُقدَّرُ أقدارُ العام كله على كل إنسان، فيقوم المؤمنُ في هذا اليوم قيامًا خاشعًا لله بأن يعطيهُ الخير كله، وأن يصرفَ عنه السوء كله، ثم يأتي رمضانُ بإغداقِ الخيرات على العبد، من ثوابٍ مضاعفٍ في الصلاة، وثوابٍ مضاعفٍ في الصيام، وثوابٍ مضاعفٍ في التسبيح وقراءة القرآن، وكلّ ما يتقرب به العبد إلى الله تعالى أو ينوي به ذلك. 


إنّه شهر الخير والعطاء، والمساحة الشاسعة التي يزرعُ بها المؤمن غراسَهُ الطيّبة بالصلاةِ والتسبيح والاستغفارِ والمناجاة، ليجدها في الآخرةِ أضعافًا مضاعفةً، فكلُّ ما يقدّمه الإنسان في رمضان قد ضاعف الله تعالى عليه الأجر سبعين مرة، لما في هذه الأيام المباركات من أهمية يجبُ على كل مسلم ألا يستهين بها، فيأتي سريعًا ويمضي سريعًا، يكرمُ الجميع بقدومهِ ولا يطيلُ المكوث، فكيف لا ينتظرُهُ المؤمنون من العامِ إلى العام؟


الفوانيسُ المضيئة تحكي قصصًا من الشوقِ وهي تقومُ بإنارة البيوت، والتمر يزاحم الأطعمةَ حتى يتصدّرَ طاولةَ الطعام، ورائحةُ البخّورِ تعطرُ الجوَّ بغيمةٍ رحمانيّة، والهدوء يعمُّ الأجواءَ طيلةَ النهار، وكل العائلة تنتظرُ أذان المغربِ كي تتحلّقَ حول المائدةِ معانقةً أفرادها بكلّ حبٍّ ودفءٍ.[١]

طقوس العائلة في شهر رمضان

رمضانُ رمزٌ لالتِمامِ العائلةِ على بعضها، فالأمُّ تقضي ساعاتِ النهارِ الأولى بالعبادةِ وقراءَةِ القرآن، ثم تلتَفتُ إلى أمور المعيشةِ اليومية ثمَّ إلى تحضيرِ الطعام، والأطفالُ يقومون بتحضير واجباتهم الدراسية بعد انقضاء ساعاتِ الدوام، بينما يُمضي الأبُ جُلَّ وقتِه في الخارجِ سعيًا للرزقِ وسُبُلِ العيش، فما يحينُ موعدُ أذانِ المغرب إلا وقد تجمَّعت كل أفرادِ الأسرةِ حولها، وتساعدوا فيما بينهم لتحضيرها، فيُقبلون على بعضهم بقصص النهار، ومشاركة الجارِ والقريبِ بالولائمِ، ويهتمُّ الكثيرُ منهم بالمشاريعِ الخيريةِ التي تؤمّن للفقراء وجباتِ إفطارهم، وتقدم لهم الملابس الجديدة تجهيزًا لعيد الفطر السعيد.


ثمّ تتوجهُ العائلة كلها إلى المسجدِ لأداءِ صلاةِ التراويح، تلك الصلاةُ التي تخصّصَ بها هذا الشهر الكريم فلم تُصلَّ في غيرهِ، فتمنحُ المؤمنَ سكينةَ قيامِ الليل، والشعورَ بروحِ الجماعةِ خلف الإمام، والإحساسَ بالتحليقِ عاليًا بين يدي قراءته الفريدة للقرآن الكريم، فتوقظُ الغافلَ من غفلتهِ، وتُرجِعُ المذنب عن ذنبه، وتقرّبُ المحبَّ إلى حضرةِ محبوبهِ فيُناجيهِ بكل ما أوتي من لغةِ القلب، وكأنّهُ على موعدٍ مع هذه الساعات الفضيلةِ منذ عامٍ كامل، ينتظرُ أن تُقدِمَ عليه فينسى ما أحدثَتْهُ الأيام من سوادِ البُعد وألم الفراق.


يخرج المصلون من المساجد في وقت واحد أيضًا، فيجدونَ الشوارعَ وقد زُيّنتْ بالأعلامِ التي كُتبتْ عليها عبارات الترحيب، وبالحِبالِ المُضيئة التي تنيرُ الشوارعَ للمصلّين حتى يعودوا إلى منازلهم، فينامون ريثما يأتي وقت السّحور، تتمايلُ الأعلامُ بأبهى الألوان فرحًا وابتهاجًا بهذا الشهر العظيم، ويتراكضُ الأطفالُ سعادةً بما في هذا الشهر من روحانيةٍ تشعرهم بالنقاءِ والبهجة، فما الاحتفال بشهر رمضان في الدول الإسلامية إلا تعبيرٌ عن مدى قوةِ هذا الشهر في تأثيرهِ على عباداتهم وسلوكهم في السير إلى رضوان الله تعالى وابتغاءِ جنّته وغفرانه.


يعودُ الناسُ إلى بيوتهم، منهم من يتسامرُ مع عائلتهِ إلى الفجر، ومنهم من يرقُدُ ريثما يأتي وقت السّحَر، فلا يكادُ شارعٌ يخلو من إيناسِ الأحاديثِ في المساءِ، أو تلاوةِ القرآن، أو سمَر العائلاتِ مع بعضها، يكادُ يكونُ رمضان منشِّطًا عامًا للجميع، فما فيه وقتٌ إلا ويستثمرُهُ أحدٌ ما في أمر من أمورِ حياته، فيستفيدُ من تنظيمهِ، فهو حبيبُ العابدين، وسميرُ المتعبين، وأنيسُ من تؤرقهم الوحدةُ طيلةَ أيام العام.[٢]

فضل شهر رمضان

تكادُ فضائلُ رمضان لا تعد ولا تحصى، فالفضيلةُ الأولى تتجلى في نزول القرآن الكريم خلال أيامه الشريفة، وفي هذا المعنى قال الله تعالى في كتابه العزيز:{شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ}[٣]، وقال تعالى: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ}[٤]، وقال سبحانه: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ}[٥]، أما الفضيلة الأخرى تتأتّى من صلاة التراويح التي يختصُ بها هذا الشهر، إذ يقول النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- في هذا الشأن: "من قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه".[٦]


تظهر الأهمية العملية لكل من يدرك هذا الشهر بأنه شهر تكفير الذنوب، وتجلٍّ لله تعالى على العبادِ بالرحمة والقرب والغفران، فلا بد أن يستغل المؤمن فرصته في طلب السماح من الله تعالى إن أخطأ في حقه أو حق نفسه، وفي حديث للنبي -صلى الله عليه وسلم- في رواية صحيحة: "من قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه"[٧]


كما أنه شهر العتق من النيران من موبقات الذنوب، فمن باتَ يُقضُّ الذنبُ الكبيرُ مضجَعهُ لا بدَّ له من الرجوع في هذه الأيام الفضيلة لطلب العفو من الله تعالى، فقد خصَّ الله عز وجل أيام هذا الشهر لتكون مُعينةُ للعبد على إدراكِ نجاتِهِ من العذاب الأليم، يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "وينادي مُنادٍ: يا باغي الخير أقبل ويا باغي الشر أقصر، ولله عتقاء من النار وذلك في كل ليلة".[٨]


يسمّى رمضان بشهر الجود والإحسان، فقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- كريمًا في كلِّ أوقاته، ولكنّه أشدُّ كرمًا في رمضان، لما يربّي عليه الناس من الإحساس بالآخرين والسعي في خدمتهم وتقديم العون لهم،  فعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: "كانَ رسولُ اللَّهِ أجودَ النَّاسِ وَكانَ أجودَ ما يَكونُ في رمضانَ حينَ يلقاهُ جبريلُ، وَكانَ جبريلُ يلقاهُ في كلِّ ليلةٍ من شَهرِ رمضانَ فيدارسُهُ القرآنَ. قالَ: كانَ رسولُ اللَّهِ حينَ يلقاهُ جبريلُ عليْهِ السَّلامُ أجودَ بالخيرِ منَ الرِّيحِ المرسلَةِ".[٩]


كما أنّه شهر الدعاء المستجاب، وفتح أبواب الجنان، إذ يسمو الدعاء إلى العزيز المجيب، فيلبي عبدهُ ويعطيه ما يسأله، قال تعالى بعد آيات الصيام: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ}[١٠]، إذ تفتحُ فيه أبواب الجنان وتغلق فيه أبواب النيران، فمن أراد أن يقبِلَ دخل في دائرة العناية الربانية، ومن أراد أن يتوبَ عن عثراته فالطريق أمامهُ مجهّزٌ سالكٌ واسع، فيكفي أنّ الشياطين قد صُفِّدتْ وتوقفت عن عملها في تضليل الإنسان، يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إذا جاء رمضان فُتِّحَت أبواب الجنة، وغُلّقَت أبواب النار، وصُفّدَت الشياطين".[١١]


ثمَّ إنَّ الأجر المضاعف لكل ما يقومُ به الإنسان من أعمال خيّرةٍ في رمضان يدفعُ المؤمن للقيام بكل ما يستطيعه بُغيةَ أن يلقى الرصيدَ الجيد له في الآخرة مع الأبرار، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "عمرة في رمضان تعدل حجة".[١٢]


فيه أيضًا ليلة القدرالتي هي خيرٌ من ألف شهر، وهي التي نزل بها القرآن الكريم على قلب النبي -صلى الله عليه وسلم- وقد قال تعالى: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ** وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ ** تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ * *سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ}[١٣] وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّ هذا الشهرَ قدْ حضَرَكُمْ، وَفيهِ ليلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شهْرٍ، مَنْ حُرِمَها فَقَدْ حُرِمَ الخيرَ كُلَّهُ، ولَا يُحْرَمُ خيرَها إلَّا محرومٌ".[١٤]

المراجع[+]

  1. إسلام كتب، أقبلت يا رمضان، صفحة 22. بتصرّف.
  2. عزب خالد، رمضان في العالم الإسلامي، صفحة 8. بتصرّف.
  3. سورة البقرة، آية:185
  4. سورة القدر، آية:1
  5. سورة الدخان، آية:3
  6. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 37.
  7. رواه البخاري، في التاريخ الكبير ، عن عبدالرحمن بن عوف، الصفحة أو الرقم: 8/88.
  8. رواه ابن حجر العسقلاني، في تخريج مشكاة المصابيح، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 2/312.
  9. رواه الألباني، في صحيح النسائي، عن عبدالله بن عباس، الصفحة أو الرقم: 2094.
  10. سورة البقرة، آية:186
  11. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 3277.
  12. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبدالله بن عباس، الصفحة أو الرقم: 1863.
  13. سورة القدر، آية:1 2 3 4 5
  14. رواه الألباني، في صحيح الجامع، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم: 2247 .