عنترة العبسي
هو عنترة بن عمرو بن شداد بن معاوية بن قراد العبسي، المولود في عام 525م، ويعدّ عنترة أشهر شعراء العرب في الجاهليّة، تلك الفترة التي سبقت عهد الإسلام، وهو الشاعر والفارس الذي عُرف بشعره الغزليّ العفيف في محبوبته،[١] وقد أحبّ ابنة عمّه عبلة، وتقدّم عنترة لخطبتها ولكنّ عمّه رفض تزويجها لعبد أسود،[٢] أمّه من الأحباش السّود واسمها زبيبة، وقد كانت إحدى سبايا والده شدّاد ومن عبيده، وقد ورث عنترة عن أمّه البشرة السوداء، وكان كنيته أبي المغلس؛ لأنّه كان يسير لغاراته في الغلس، أي في ظلمة الليل، كما لُقّب بعنترة الفوارس؛ لأنّه من الفرسان المعدودين عند العرب، فقد كان من أشدّ الرجال وأشجعهم في زمانه، كما كان حليمًا يعرف الفرق بين التهوّر والشجاعة، وقد اعترف به والده ابنًا بعد أن أظهر شجاعةً وفروسيّة في الحرب لم تكن عند غيره من العرب، وهو من شعراء المعلقات، توفّي عام 601م، وسيكون في هذا المقال شرحٌ لمعلقة عنترة بن شداد.[٣]
معلقة عنترة بن شداد
سُمّيت المعلقات بهذا الاسم من "علق" أي كل ما عُلّق،[٤] وهي من أروع قصائد العصر الجاهلي، وسميت كذلك لأنّها خيطت من الحرير وعلقت على أسنتار الكعبة إعلاءً من شأنها،[٥] ومعلقة عنترة بن شداد هي إحدى القصائد الشعرية التي كتبت باللغة العربيّة، من نظم الشاعر العربيّ عنترة العبسي، وقد نظمها في القرن السادس الميلادي، وهي على البحر الكامل، وكانت الأغراض الشعريّة الموجود فيها بشكلٍ أساسي هي الحماسة والوصف، وهي تحتوي على تسعة وسبعين بيتًا من الشّعر،[٦] وقد تنوعت الموضوعات فيها بين مخاطبة الشاعر لمحبوبته ووقوفه على الأطلال ووصفه لفرسه ووصفه للخمر، وقد قام عنترة بنظم معلقته بسبب رجل قام بشتمه وتعييره بسواد بشرته وبأمّه وبأخوته، وقال بأنّ عنترة لا يعرف قول الشعر، فبدأ عنترة إبّان ذلك بنظم قصيدته هذه بادئًا كغيره من شعراء الجاهلية بوصف الفرق ثم وصف حبيبته عبلة ومخاطبتها، ثم الحديث عن الشجاعة والفروسية وغيرها،[٧] وفيما يأتي بعضٌ من أبيات معلقة عنترة:[٨]
هَل غادَرَ الشُعَراءُ مِن مُتَرَدَّمِ أَم هَل عَرَفتَ الدارَ بَعدَ تَوَهُّمِ
يا دارَ عَبلَةَ بِالجَواءِ تَكَلَّمي وَعَمي صَباحاً دارَ عَبلَةَ وَاِسلَمي
فَوَقَفتُ فيها ناقَتي وَكَأَنَّه فَدَنٌ لِأَقضِيَ حاجَةَ المُتَلَوِّمِ
وَتَحُلُّ عَبلَةُ بِالجَواءِ وَأَهلُن بِالحَزنِ فَالصَمّانِ فَالمُتَثَلَّمِ
حُيِّيتَ مِن طَلَلٍ تَقادَمَ عَهدُهُ أَقوى وَأَقفَرَ بَعدَ أُمِّ الهَيثَمِ
حَلَّت بِأَرضِ الزائِرينَ فَأَصبَحَت عَسِراً عَلَيَّ طِلابُكِ اِبنَةَ مَخرَمِشرح معلقة عنترة بن شداد
قال التبريزي إنّ عنترة نظم معلقته بعد أن نال حريته من العبوديّة، واعترف أبوه به ولدًا له، كما قيل إنّ رجلًا من عبس قد شتم عنترة وعيّره بأمّه وبانّه عبدٌ أسود، فبدا عنترة يقول الشعر مفتخرًا بنفسه وببسالته وبشجاعته وفروسيته متحدّيًا كل خصومه، فكانت هذه الأبيات من أجمل ما قيل في الشعر العربيّ والجاهليّ، وقد بدأها بوصف حبّه لابنة عمّه عبلة وفيما يأتي شرح لأبيات معلقة عنترة العبسي:
يا دارَ عَبلَةَ بِالجَواءِ تَكَلَّمي وَعَمي صَباحاً دارَ عَبلَةَ وَاِسلَمي
فَوَقَفتُ فيها ناقَتي وَكَأَنَّها فَدَنٌ لِأَقضِيَ حاجَةَ المُتَلَوِّمِ
وَتَحُلُّ عَبلَةُ بِالجَواءِ وَأَهلُنا بِالحَزنِ فَالصَمّانِ فَالمُتَثَلَّمِ
حُيِّيتَ مِن طَلَلٍ تَقادَمَ عَهدُهُ أَقوى وَأَقفَرَ بَعدَ أُمِّ الهَيثَمِ
عُلِّقتُها عَرَضاً وَأَقتُلُ قَومَها زَعماً لَعَمرُ أَبيكَ لَيسَ بِمَزعَمِ
وَلَقَد نَزَلتِ فَلا تَظُنّي غَيرَهُ مِنّي بِمَنزِلَةِ المُحَبِّ المُكرَمِ
كَيفَ المَزارُ وَقَد تَرَبَّعَ أَهلُها بِعُنَيزَتَينِ وَأَهلُنا بِالغَيلَمِ
إِن كُنتِ أَزمَعتِ الفِراقَ فَإِنَّما زُمَّت رِكابُكُمُ بِلَيلٍ مُظلِمِ
ما راعَني إِلّا حَمولَةُ أَهلِها وَسطَ الدِيارِ تَسَفُّ حَبَّ الخِمخِمِ
فيها اِثنَتانِ وَأَربَعونَ حَلوبَةً سوداً كَخافِيَةِ الغُرابِ الأَسحَمِ
وكأَنَّ فَارَة َ تاجرٍ بقسيمَة ٍ سبقتْ عوارضها اليكَ من الفمْ
أوْ روْضَة ً أُنُفاً تضمَّنَ نبتَها غيْثٌ قليلُ الدِّمن ليسَ بمَعْلَمِ
جادَت عَليهِ كُلُّ بِكرٍ حُرَّةٍ فَتَرَكنَ كُلَّ قَرارَةٍ كَالدِرهَمِ
سَحّاً وتسْكاباً فَكلَّ عشيَّة ٍيجري عليها الماءُ لم يتصرَّم
وَخَلا الذُبابُ بِها فَلَيسَ بِبارِحٍ غَرِداً كَفِعلِ الشارِبِ المُتَرَنِّمِ
هَزِجاً يَحُكُّ ذِراعَهُ بِذِراعِهِ قَدحَ المُكِبِّ عَلى الزِنادِ الأَجذَمِ
وحشيتي سرجٌ على عبل الشَّوى نَهْدٍ مَراكِلُهُ نَبيلِ المحزِمِ
ثم يقول عن ناقته هل تراها ناقة شدن ستبلغه ديار المحبوبة، وهي ناقة قويّة على الأسفار ثم يتابع في وصف الناقة قائلًا بأنّها ناقة نشيطة ومرحة على الرغم من أنّها قد سارت معه الطريق كلّه، وقد شبّه سرعتها بسرعة الظليم الذي تأوي إليه النعام كما تأوي إلى راعٍ أعجمي إبلٌ يمانيّة، فشبه سواد الظليم بسواد الراعي الأعجمي، فجعلت هذه النعام الظليم نصب عينيها ولم تعد تنحرف عنه، ثم شبهه بهودج النساء أيّ كالخيمة على مكان مرتفع، وشبّه هذا الظليم بعبد أسود يلبس الفرو وليس له أذن فليس للنعام آذان، وكان هذا الفرو هو الجناحين،[١٦]
[١٢] وكان ذلك في الأبيات:[١٧]خَطّارَةٌ غِبَّ السُرى زَيّافَةٌ تَطِسُ الإِكامَ بِوَخذِ خُفٍّ ميثَمِ
وكأنما أقصُ الإكام عشيةً بقريبِ بينِ المنْسِمين مُصلَّم
تأوي له قلصُ النَّعام كما أوتْ حزقٌ يمانية ٌ لأعجمَ طمطمِ
يتبعنَ قلة رأسهِ وكأنهُ حِدْجٌ على نعْش لهُنَّ مخيَّمِ
صَعلٍ يَعودُ بِذي العُشَيرَةِ بَيضَهُ كَالعَبدِ ذي الفَروِ الطَويلِ الأَصلَمِ
هِرٍّ جَنيبٍ كلّما عطفتْ لهُ غضبى اتقاها باليدين وبالفم
بَرَكَت عَلى جَنبِ الرِداعِ كَأَنَّما بَرَكَت عَلى قَصَبٍ أَجَشَّ مُهَضَّمِ
وَكأَنَّ رُبّاً أَو كُحَيلاً مُعقَداً حَشَّ الوَقودُ بِهِ جَوانِبَ قُمقُمِ
ينْباعُ منْ ذِفْرَى غَضوبٍ جَسرَة ٍ زيافة ٍ مثل الفَنيق المُكْدَمِ
إنْ تغدفي دوني القناع فانني طبٌّ بأخذ الفارس المستلئم
ثمّ يقول مخاطبًا محبوبته أثني عليّ يا حبيبتي بما تعرفينه عني من المحامد والمناقب، فأنا رجلٌ سهل المُخالقة والمُخالطة مالم يأخذ أحدٌ حقّي، أمّا إذا ظلمني أحد ما فإنّ ظلمي كَريه مُرّ المذاق كأنّه العلقم، فأنا الذي شرب الخمر بالقدح المشوف، وذلك دليل على الجود والكرم، ويتابع فيقول وقد شربتها بزجاجة صفراء عليها خطوط، وبدأت بصب الخمر من الإبريق إلى الزجاجة، ويكما فخره بنفسه فيقول بأنّه ولو شرب الخمر فإنّه يُهلك ماله غير آسف عليه، ولكنّه لا يُشين عرضه، فهو تامّ العرض، وسكره ذلك لا يحمله إلا على مكارم الأخلاق، ثم يقول إذا ما صحى من سكرته، فسيبقى جوادًا غير مقصّر فيفارقه السكر ولا يفارقه الكرم والجود، وويتابع فخره بأنّه امرؤ لا ينقص السكر من عقله شيئًا،[١٢]
[٢٠] وكان ذلك في الأبيات الآتية:[٢١]وإذا ظُلمْتُ فإنَّ ظُلميَ باسلٌ مرٌّ مذَاقَتهُ كَطعم العَلْقم
ولقد شربتُ من المدامة بعد ما رَكَدَ الهواجرُ بالمشوفِ المُعْلمِ
بزُجاجة ٍ صفْراءَ ذاتِ أسرَّة ٍ قرنتْ بأزهر في الشمالِ مفدَّم
فإذا شربتُ فإنني مُسْتَهْلِكٌ مالي وعرضي وافرٌ لم يُكلم
وإذا صَحَوْتُ فما أَقصِّرُ عنْ ندىً وكما عَلمتِ شمائلي وَتَكَرُّمي
إذ لا أزالُ على رحالة ِ سابح نهْدٍ تعاوَرُهُ الكُماة ُ مُكَلَّمِ
طَوْراً يجَرَّدُ للطعانِ وتارة ًيأوي إلى حصدِ القسيِّ عرمرمِ
يُخبرْك من شَهدَ الوقيعَة َ أنني أغشى الوغى وأعفُّ عند المغنم
ثمّ يقول عنترة بأنّه إذا قابل رجلًا تامّ السلاح تهابُ الأبطال نزاله وقتاله لشدّة بأسه وقوته، يهربون في القتال أو يستسلمون فإذا ما قابله عنترة يسرع في طعنه برمحه المقوّم والصلب فينظم ذلك الرمح في ثياب الفارس، وينفذ من جسمه وثيابه كلها، فحتّى لو كان كريمًا فلن يخلصه كرمه من رمح عنترة الذي تركه للسباع بعد أن قتله، فتتناوله تلك السباع بأسنانها،[٢٤]
[١٢] وكان ذلك في الأبيات الآتية:[٢٥]جادتْ له كفي بعاجل طعنةٍ بمثَقَّفٍ صَدْقِ الكُعُوبِ مُقَوَّم
فَشَكَكتُ بِالرُمحِ الأَصَمِّ ثِيابَهُ لَيسَ الكَريمُ عَلى القَنا بِمُحَرَّمِ
فتركتهُ جزرَ السباع ينشنهُ يقضمنَ حسنَ بنانهِ والمعصم
زبدٍ يداهُ بالقداح إذا شتا هتَّاك غايات التجار ملوَّم
لما رآني قَدْ نَزَلْتُ أُرِيدُهُ أبدى نواجذهُ لغير تبسُّم
عهدي به مَدَّ النّهار كأَنما خضبَ اللبان ورأسهُ بالعظلم
فطعنتهُ بالرُّمح ثم علوتهُ بمهندٍ صافيِ الحديد مخذَم
يدعون عنترَ والرِّماحُ كأنها أشطانُ بئرٍ في لبانِ الأدهم
ما زلتُ أرميهمْ بثغرة ِ نحره ولِبانِهِ حتى تَسَرْبلَ بالدّم
فازورّ من وقع القنا بلبانهِ وشكا إليّ بعَبْرة ٍ وَتَحَمْحُمِ
لَو كانَ يَدري ما المُحاوَرَةُ اِشتَكى وَلَكانَ لَو عَلِمَ الكَلامَ مُكَلِّمي
المراجع[+]
- ↑ "عنترة بن شداد"، www.marefa.org، 2020-05-13، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-13. بتصرّف.
- ↑ "من هو عنترة ابن شداد"، www.arageek.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-13. بتصرّف.
- ↑ "عنترة بن شداد"، al-hakawati.la.utexas.edu، 2020-05-13، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-13. بتصرّف.
- ↑ "تعريف و معنى المعلقات في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-13. بتصرّف.
- ↑ "المعلقات وأصحابها"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-13. بتصرّف.
- ↑ "معلقة عنترة بن شداد"، ar.wikipedia.org، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-13. بتصرّف.
- ↑ "معلقة عنترة بن شداد"، www.wikiwand.com، 2020-05-13، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-13. بتصرّف.
- ↑ "معلقة عنترة بن شداد العبسيّ"، www.uobabylon.edu.iq، 2020-05-13، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-13. بتصرّف.
- ↑ "الشاعر عنترة بن شدّاد العبسي: حياته وتحليل معلقته"، basiceducation.uobabylon.edu.iq، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-13. بتصرّف.
- ^ أ ب "هلْ غادرَ الشُّعراءُ منْ متردَّم "، www.adab.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-13.
- ↑ حسين بن أحمد الزوزني (2002)، شرح المعقات السبع (الطبعة 1)، صفحة 131، جزء 1. بتصرّف.
- ^ أ ب ت ث "شرح المعلقات السبع"، www.noor-book.com، اطّلع عليه بتاريخ 14-07-2020. بتصرّف.
- ↑ حسين بن أحمد الزوزني (2002)، شرح المعلقات السبع (الطبعة 1)، صفحة 133، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ "هلْ غادرَ الشُّعراءُ منْ متردَّم"، www.adab.com، 2020-05-13، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-13.
- ↑ "هل غادر الشعراء من متردم"، www.aldiwan.net، 2020-05-13، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-13.
- ↑ حسين بن أحمد الزوزني (2002)، شرح المعقات العشر (الطبعة 1)، صفحة 134، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ "هل غادر الشعراء من متردم"، www.aldiwan.net، 2020-05-13، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-13.
- ↑ حسين بن أحمد الزوزني (2002)، شرح المعلقات السبع (الطبعة 1)، صفحة 137، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ "هل غادر الشعراء من متردم"، www.aldiwan.net، 2020-05-13، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-13.
- ↑ حسين بن أحمد الزوزني (2002)، شرح المعلقات السبع (الطبعة 1)، صفحة 137، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ "هلْ غادرَ الشُّعراءُ منْ متردَّم "، www.adab.com، 2020-05-13، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-13.
- ↑ حسين بن عبد الله الزوزني، شرح المعلقات السبع (الطبعة 1)، صفحة 138، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ "هل غادر الشعراء من متردم"، www.aldiwan.net، 2020-05-13، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-13.
- ↑ حسين بن أحمد الزوزني (2002)، شرح المعلقات السبع (الطبعة 1)، صفحة 139، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ " هل غادر الشعراء من متردم"، www.aldiwan.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-13.
- ↑ حسين بن عبد الله الزوزني (2002)، شرح المعلقات السبع (الطبعة 1)، صفحة 140، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ " هل غادر الشعراء من متردم"، www.aldiwan.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-13.
- ↑ جسين بن عبد الله الزوزني (2002)، شرح المعلقات السبع (الطبعة 1)، صفحة 142، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ "هل غادر الشعراء من متردم"، www.aldiwan.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-05-24. بتصرّف.